السلفية التقليدية !!! مرجئة ، ومدخلية ، وفضائية "
بقلم أحمد بوادي
" الحمد لله الذي خلق خلقه أطوارا وصرفهم في أطوار التخليق كيف شاء عزة واقتدارا وأرسل الرسل إلى المكلفين إعذارا منه وإنذارا ، فأتم بهم على من أتبع سبيلهم نعمته السابغة وقام بهم على من خالف مناهجهم حجته البالغة ، فنصب الدليل وأنار السبيل وأزاح العلل وقطع المعاذير وأقام الحجة ، وأوضح المحجة وقال هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل … " انتهى ابن القيم إعلام الموقعين
أما بعد :
فنحمده جلّ ثناؤه وعظمت كبرياؤه أن جعلنا من المؤمنين ، وعلى نهج سيد المرسلين داعين ، ولصحابته وأهل بيته من المحبين والمناصرين .
من سلك طريقهم اهتدى وفاز بصحبتهم ، ونال الدرجات العلا عند من اطلع على قلوبهم واختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
فعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إن الله اطلع في قلوب العباد فرأى قلب محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم خير قلوب العباد فاختاره لرسالته ثم اطلع في قلوب العباد بعده فرأى قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبته .
فمن سلك طريقهم فقد تمسك بالسلفية النقية البيضاء ، ما زاغ عنها إلا هالك ، ولا تتبعها بعين واحدة إلا هالك ، يأخذها من طرف ويدعها من أطراف ، ومن حاول التملق والتسلق بها أخزاه الله وبان عوره ، وفضحه أمام الخلائق .
لقد انقشعت السلفية عن أقوام ادعوها وهم بها من المتاجرين ، وعن نهجها من المبعدين ،زعموا أنهم لها من المناصرين ، ولحياضها من الذابين ، ولرايتها رافعين .
إذا جدّ عند الجدِّ أرضاك جِدُّه ….. وذو باطل إن شئت أرضاك باطله
لهم السنة حداد ، يدعون أنهم يتكلمون من نفس خبيرة بصيرة ، وتجربة بالحياة طويلة ومريرة ، وأنهم أهل فطنة وحنكة ، وأهل رأي وسداد ، ظانين أنهم بذلك قد أقاموا على الناس الحجة ، والزموهم بالمحجة . ذلك دأبهم ما تعاقبت الأيام وتوالت الأزمان ، وما علموا أنهم ما زرعوا إلا الشوك ، وما اثمروا إلا الحنظل
ففضحتهم حتى بدت سواد وجوههم كالحة غبراء ظلماء لا ترى من قريب حتى في الليلة القمراء فزادت من شقاوتهم وتعاستهم ومعرفة الناس بهم .
قال ابن القيم :
" فمن علامات الشقاوة أنه كلما زيد في علم العبد زيد في كبره ، وتيهه ، وكلما زيد في عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه ، وكلما زيد في عمره زيد في حرصه وكلما زيد في ماله زيد في بخله ، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه ".
فادعى هؤلاء السلفية النقية البيضاء ؟؟!!! .
تلك السلفية التي يدعون تقمصها ، وهم يتزينون بثيابها ، ويأكلون بثمنها ، ولم يعملوا بها ، وحاربوا أهلها ، والتمسوا لأنفسهم المعاذير حَيْدة عن المنهج المستقيم ، وأنهم معذورون ومتأولون في فعلتهم ، وكل من خالفهم ظالمون مبتدعون مجروحون ؟؟!!! .
أي سلفية تلك التي ينصر فيها الباطل ، ولا يصدع فيها بالحق ، وتسن فيها الألسن على غرباء الدين ، ويمجد فيها لكع ابن لكع ومنهم الظالمون الفاسقون ؟؟!!! .
أي سلفية تلك التي كان الدين فيها مجرد وعظ يميت القلوب ، لبعده عن الشعور والأحاسيس ، وعدم نصرته للمظلومين ، ودفاعه عن المستبدين ، وعدم محاكاته حياة الذل والقهر التي يعانيها المقهورين ؟؟!!! .
أي سلفية تلك التي رضي دعاتها سكنى القصور ، بدق أبواب السلاطين ، مع طعنهم لأهل الثغور ؟؟!!! .
أي سلفية تلك التي ارتضوا منها لبس ثوب العافية وسلكوا مبدأ من رضي وتابع دون من أنكر وبرأ ؟؟!!! .
أي سلفية تلك التي تكون مجرد تقصير ثوب ، وإعفاء لحية ، ولواء الولاء والبراء معقود على السمع والطاعة لغير كتاب الله .
إنها السلفية العوراء :
التي ظهر أصحابها في بعض الفضائيات ، واستولى الواحد منهم على المذياع ، وتربعوا قريبا عن أو في المحراب ، وارتقوا على المنابر تشدقوا بالألفاظ وعبارات السجع ، عافهم الناس بعد أن ثقلوهم بميزان الإسلام .
نصروا الباطل وسكتوا عن قول الحق ، قتلوا المثل العليا إرضاء للهوى وشهوة النفس ، دفعوا ضريبة باهظة الثمن ، فاتورتها مبادئ القرآن وتعاليم الإسلام ، فكانت حسناتهم هي الثمن .
قريبا كان من منهجهم التحذير من مجالسة أهل البدع ، والنهي عن مخالطة أهل الفسوق والمعاصي والمجون ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب أمرا عظيما وخطرا على الدين جسيما ، إلا أن يكون آمرا للمعروف ناه عن المنكر . وهذا حق لا ينكر على أحد فيه .
ثم ماذا كان ؟؟!!!
خالطوا أهل البدع وجالسوهم ، في ملهاة عابثة ساخرة ، ظهروا أمام الخلق وهم يصافحوهم ، ويضاحكوهم مع معرفة الناس أنهم ما ظهروا معهم لينكروا عليهم ضلالاتهم وبدعهم لسكوتهم عنها ، وعدم الحديث عليها ، وإلا لوجب عليهم بيان الإنكار حتى لا يغتر من جهل من شاهد بالأعمال وجعل هذا العمل وجها من الاستدلال .
ولما أنكر على أحدهم خروجهم في قنوات العهر والمجون وال mbc.
قال : يسعنا ما وسع النبيين فقد خالطوا المشركين ودعوهم بوجود الأصنام والتماثيل .
وأقول له ولمن اغتر بقوله :
إن دعوة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لهؤلاء هي من أجل تحطيم تلك التماثيل ودعوة عُبّادِها لترك عبادتها وقولهم لا إله إلا الله ، وهذا من تمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنفس الأمر ذاته ، ولم يتصوروا بجانبهم وينكتوا لإضحاكهم . لم يكونوا ليتركوهم يعبدون الأصنام ، ويمتنعوا عن دعوتهم والإنكار عليهم ليحدثوا الناس عن تقارب الأديان .
لم يكن صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ليسكت عن منكر عظيم بعث من أجله ، ويتركه ليأمر وينهى عن غيره .
فلنتأدب ولا نخطئ عليه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ليصح لنا الاستدلال على غير وجهه .
أضف إلى أن وجود التماثيل في ذلك الوقت أمر شائع ومنتشر في كل مكان لا يمكن ترك الدعوة برمتها من أجل وجود التماثيل مع عدم القدرة على التخلص منها مع أن هذا كان في بداية الدعوة قبل الهجرة ،ودعوتهم للمشركين لم تخرج عن أمرهم لترك عبادتها .وبعد الهجرة وعند فتح مكة لما دخلها صلى الله عليه وآله وصحبه أمر بتحطيم التماثيل قبل أن يدخلها .
فليتأمل المستدل هداه الله .
بينما القنوات الفضائية مكان خاص من السهل جدا تجنبها والدعوة في مجالات أخرى كثيرة ، بل ومن ذلك الفضائيات الإسلامية نفسها يمكن استغلالها للدعوة بدلا من الساقطة والهابطة بحجة تجمع أكثر الناس عليها ، وهل هذا الفعل يكون عذرا لمن أراد أن يعمل درسا في محطة إباحية ؟؟!!! .
نعوذ بالله من الحور بعد الكور .
ولو أردنا إثبات استدلالكم هذا بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالضوابط العلمية لمعرفة بطلانه من صحته .
أقول :
أولا :الأصل ، الذي قستم عليه واستدللتم لحكمكم به : مخالطة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم للمشركين في نواديهم مع وجود التماثيل التي عبدوها من دون الله .
ثانيا :العلة ، من مخالطة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم للمشركين مع وجود التماثيل هو إنكاره عليهم عبادة هذه التماثيل وأنها لا تنفع ولا تضر مع وجوب صرف العبادة لله وحده لا شريك له .
ثالثا :الفرع ، وهو ما أردتم أن تثبتوا له الحكم : مخالطتكم بظهوركم في القنوات الفضائية مع ما تبث فيها من برامج هابطة وساقطة.
فأين وجه الاستدلال وأوجه الشبه من المخالطة بفعل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو ينكر عليهم هذه التماثيل وأنتم تخالطوهم بدون الإنكار على فسقهم وفجورهم ؟؟!!! .
وقد ذكر بعض أهل العلم على أن من سمع الغناء في بيت أنكره من خارجه ولا يدخله ، والأدلة في ذلك تطول ، وهذا ليس محل تفصيلها ، ولي مقال في ذلك فليراجع .
فهل هذا هو منهج السلف الذي يدعى إليه ؟!! .
جلس البعض مع المتبرجات مع تحذيرهم وتحريمهم لذلك ، وظهروا بالفضائيات أمام أعين الناس ، لا من أجل الإنكار على تبرجهن، بل لأمور ليس للتبرج فيها نصيب . ففضحهم الله ، وبانت سوءة مذهبهم .
فأين هذا من منهج السلف ؟!! .
ماذا سيقال لطلاب وطالبات الجامعات ، إن أرادوا الجلوس معا حتى وإن كن متبرجات للحديث عن أحكام السلم والسلام في الإسلام على سبيل المثال ؟؟!!! .
ولماذا ينكر عليهم دراستهم في الجامعات مختلطين ومختلطات طالما أنهم يتعلمون ويتدارسون أحكام الإسلام ؟؟!!! .
أينكر عليهم بعد هذا ؟؟!!! .
وهل يلام بعد ذلك عمرو خالد ؟؟!!! .
أم أنه حلال للدعاة من الشيوخ في الفضائيات ، حرام للطلاب والطالبات في الجامعات والمتنزهات .
أم أن الأمر كما قيل :
أفحرام على بلابله الدوح … حلال للطير من كل جنس .
فأين هذا من منهج السلف ؟!! .
ظهروا مع الروافض وبفضائياتهم، وهم يعلمون سبهم لصحابة نبيهم وكلامهم ، بعرض زوجة نبيهم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، وأمهم ، وقنواتهم للترويج لمذهبهم . فجالسوهم وخالطوهم ولم ينكروا عليهم . إلا في السراديب من تحتهم " تشابهت قلوبهم " .
أين هذا من منهج السلف ؟!!
صور الولاء والبراء التي لا تكاد أن تنقطع في المجالس والحلقات ، أين هم عنها وعن تمسكهم بنهجالسلف منها ، وقولهم " لا تحك رأسك إلا بالآثار" .
أين هذا من منهج السلف ؟!!
حدثوا الناس وقالوا لهم إياكم وأبواب السلطان _ إلا أن تقولوا لهم كلمة الحق_ فكانوا أول من طرق أبوابهم ، وأكلوا من طعامهم ، وسكتوا عن باطلهم ، وباركوا أعمالهم .
علمونا حديث سلمان وعن الجرأة في قول الحق وعدم السكوت على الباطل لما رُوي عن عمر: لا سمعا ولا طاعة للناس ثوب ولك ثوبان . وهم يسكتون عن موائد الخمر ، وبيوت العهر ، يطأطئون الرؤوس ، ويوالون ، ويعاهدون ، ويسمعون ، ويعظمون .
فأين هذا من منهج السلف ؟!! .
قالوا منهج السلف على وجوب نصرة المسلمين وفك أسر المأسورين ، والذود عن حرمات ومقدسات المسلمين .
ولما احتلت البلاد وذل العباد وانتهكت الأعراض ودنست المقدسات ، قالوا قتالهم إرهاب وراية من يقاتلهم راية عمياء .
فأين هذا من منهج السلف ؟!! .
قالوا إن منهج السلف لا مداهنة فيه ولا تزلف ولا تلميع . فلما دمرت تماثيل بوذا صار الأمر فيه إيضاح وتوضيح .
فهل هذا منهج السلف ؟!! .
قالوا منهج السلف على أن ازدواجية الفتوى للحكم الواحد ضلال عظيم ، وتلاعب في أحكام الدين هذا ما درسوه للطلاب وعلموه ، وهو حق ويقين .
بينما إن تعلق الأمر بقتال الروس جهاد واستشهاد ، وإن كان القتال للأمريكان فهو خروج على أحكام الولاة .
فهل هذا منهج السلف ؟!! .
منهج السلف على أن أحكام التكفير لا تصح إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع على التعيين ،
لكن صدام مسلم قبل الحرب ولما كان ضد إيران ،و كافر بعدها بدون إقامة الحجة أو توفر شروط أو حتى واجبات أو سنن ؟؟!!! .
فهل هذا منهج السلف ؟!! .
الاستعانة بالكفار ضد المسلمين ، حرام باتفاق علماء السلف والخلف، إلا أن يكون الكفار تحت إمرتهم ولهم القدرة والنفوذ عليهم ، عند بعضهم . وراجع رسالتي بذلك .
ولكن في حرب طالبان والعراق ترى الفتاوى العجاب .
فأين هذا من منهج السلف ؟!! ..
أما منهج السلف بالتحذير من أهل الإرجاء وأهل التكفير والخوارج حدث ولا حرج بينما يصبح في عصرنا أنهم من يرفع راية السلف ؟؟!!! .
لا إلى سلمى ولا إلى أجا ……. ولكن إلى الله المشتكى .
أخيرا :
من أراد أن يتبع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، ويقتدي بصحابته ، وأنه بسلفيته وأثريته متمسك بهديهم وعلى سنتهم ونهجهم ينبغي عليه أن ينظر إلى أقوالهم وأفعالهم بعينين مبصرتين فيعلم الحق لترى العين ويبصر القلب فلا يزيغ ولا يضل .
فإن نظر لمنهجهم بعين واحدة ليغمض الأخرى ويتأول لهم بأنها عوراء فلا يعمل إلا بما يراه عوره مختلطا على قلبه فيضل ويضل .
ولو كان أعمى فاقدا لكلتا عينيه لهان الأمر وسهل الخطب ، لأنه يحتاج حينئذ لمن يرشده ويبصره ، فلا يقع كل اللوم عليه .
ولكان قياس ذلك الأعور الدجال على الأضحية العوراء أصح وأدق عند من جاز من العلماء الأضحية بالعمياء دون العوراء ، فالعوراء تعتمد على عورها فيتركها صاحبها لترعى نفسها بنفسها فيكون مرعاها قليلا وتأتي حينئذ هزيلة ، لضعف نظرها فلا تصح الأضحية حينئذ بها .
أما العمياء فيوكل بها صاحبها من يقوم برعايتها فتأت صحيحة سمينة .
وكما بدأت بالكلام القيم لابن القيم اختم به أيضا لأقول :
" فمن أراد علو بنيانه فعليه بتوثيق أساسه وإحكامه وشدة الاعتناء به فإن علو البنيان على قدر توثيق الأساس وإحكامه ، فالعارف همته توثيق الأساس وإحكامه والجاهل يرفع البناء عن غير أساس "