السبت، 30 أبريل 2011

الحلف بغير الله , وأنواع اليمين

الحلف بغير الله , وأنواع اليمين

بسم الله الرحمن الرحيم

أحبابي في الله , الكثير منا يقع من غير ما يشعر بكثير من الامور الشركية , بالرغم من انه يعلم بان الله هو الخالق , وكما يعرف أقسام التوحيد ومنها توحيد الربوبية , وتوحيد الألوهية,ومع هذا إذا أراد أن يوضح عند القسم واليمين بأهمية الشخص الذي أمامه فيقسم ويقول ( وراسك ) أو ( ودفنت أمي أو دفنت أبوي ).... وهذا الطامة يصبح الدين اواسلامه فيه دخن , لذا أحببت أن أقدم هذا المبحث الذي يتكلم عن الشرك بالحلف بغير الله , وأثاره , واليمين وأنواعه ...
وعليه وبالله التوفيق نقول :
الحلف بغير الله أو بغير صفة من صفاته محرم وهو نوع من الشرك ولهذا قال النبي، صلي الله عليه وسلم: (( لا تحلفوا بآبائكم من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)) وجاء عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم، وثبت عنه ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : (( من قال واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله )) وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص لا إله إلا الله .
وعلى هذا فيحرم على المسلم أ ن يحلف بغير الله – سبحانه وتعالى – لا بالكعبة، ولا بالنبي، صلى الله عليه وسلم، ولا بجبريل ، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف، ولا بالقومية، ولا بالوطنية كل حلف بغير الله فهو محرم وهو نوع من الشرك والكفر.


قال تعالى ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) سورة المائدة 88.

وقال صلى الله عليه وسلم ( من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان ، وفي رواية أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة . فقال رجل : وان كان شيئا يسيرا يا رسول الله ؟ قال : وان كان قضيبا من أراك ) سواك . أصل الحديث بصحيح مسلم

أيها الإخوة والأخوات : تتنوع الأيمان في النصوص الشرعية وتنقسم إلى أيمان مشروعة منعقدة ، وأيمان محرمة باطلة ينبغي على المسلم تجنبها .

القسم الأول منها :

اليمين المنعقدة : وهي اليمين التي يحلفها المسلم باسم من أسماء الله تعالى مثل : والله ، العزيز ، الرحمن . أو بصفة من صفاته ، كأن يحلف بحياة الله تعالى أو عزته أو قدرته ، يقصد المسلم بهذه اليمين ويعقدها على أمر مستقبل كأن يقول : والله لافعلن كذا ... آو والله لا افعل كذا ... فمثل هذه اليمين يجب عليه الوفاء بها . فإن حنث ولم يف بها وجبت عليه الكفارة وهي التخيير بين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين او كسوتهم فإن لم يجد واحدة مما مضى ولم يستطع فيجب عليه صيام ثلاثة أيام ، ( متتابعات عند الإمام أحمد ) .
القسم الثاني : اليمين الغموس : وهي اليمين التي يحلفها المرء متعمدا كاذبا يستحل بها حق أخيه المسلم . وسماها الرسول صلى الله عليه وسلم غموسا ؛ لانها تغمس صاحبها في النار ، وهي احدى الكبائر الثلاث الواردة في صحيح البخاري ( الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس ) .
وسبب كونها من الكبائر أن الحالف جمع بين الكذب واستحلال مال الغير والاستخفاف باليمين بالله تعالى وتهاونه بها . فأهان ما عظّمه الله تعالى وعظّم ما حقره الله تعالى فاستحق ان يغمس في النار .
ونظرا لكبر أثمها ذهب كثير من العلماء كإلامام مالك وأحمد واسحق والاوزاعي وفقهاء العراق وأهل الحديث وغيرهم الى انها يمين مكر وخداع وكذب لا تنعقد ولا كفارة فيها ويجب على صاحبها التوبة والاستغفار وإرجاع الحقوق إلى أصحابها .
القسم الثالث : لغو اليمين : وهي الأيمان التي تجري على لسان المسلم من غير قصد وهي ألفاظ كثيرة اعتادها اللسان كقوله : لا والله ، بلى والله . قالت عائشة رضي الله عنها ( اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله ) وهذه الألفاظ تكثر منها الأمهات عندما يتوعدن أبناءهن إذا هرب احدهم من البيت : فتقول والله لأجرم فيك ، والله أذبحك ، والله ما بتدخل البيت .
ومثل اللغو أيضا: ان يحلف المسلم على شئ يظنه كذا فيتبين على خلاف ما كان يظن . فمثل هذه الألفاظ لا يؤاخذ الله تعالى صاحبها ولا يعاقبه .
القسم الرابع :
الحلف بغير الله تعالى : كأن يحلف بالأنبياء أو الملائكة أو الكعبة أو الأموات ... فقد اعتبر الإسلام الحلف بغير الله تعالى شركا به سبحانه ؛ لما فيه من قدح لشهادة العبد بوحدانية الله تعالى فكيف يشهد العبد ان لا اله إلا الله ويحلف بغير الله ؛ لان من مستلزمات هذه الشهادة ان لا يعظم غيره تعالى . كما اعتبر القران الحلف بغير الله تعالى ندا يتخذه الحالف لله تعالى وهذا الحالف يعلم حرمة ذلك . قال تعالى ( فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون ) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية : ( الأنداد : هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة ( حجر ) سوداء في ظلمة الليل وهو ان تقول : والله وحياتك يا فلانة ، وحياتي . وتقول : لولا كلبه هذا لأتانا اللصوص . وقول الرجل : ما شاء الله وشئت ، وقول الرجل : لولا الله وفلان ، لا تجعل فيها فلان هذه كله به شرك ) .
فهذه أمور أيها الأخوة والأخوات من الشرك خفية في الناس لا يكاد يفطن لها ولا يعرفها الا القليل ، فهي لخفائها في الناس لا يشعرون بها كدبيب وحركة النمل على صخرة ملساء في ليلة ظلماء ؛ ولذلك طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من المسلم ان يدعو الله تعالى ويستعين به على تجنبه قائلا ( اللهم إنا نعوذ بك ان نشرك بك شيئا تعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ) .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) رواة الترمذي .
وعن ابن عمر رضي الله عنه ( ان الله ينهاكم ان تحلفوا بابائكم من كان حالفا فليحلف بالله او ليصمت ) وعن بريدة ( من حلف بالأمانة فليس منا ) .
وقال كعب : أنكم تشركون في قول الرجل : كلا وابيك ، كلا والكعبة ، كلا وحياتك احلف بالله صادقا أو لا تحلف بغيره . وقد أجمع العلماء على ان اليمين لا تكون الا بالله تعالى أو بصفاته كما أجمعوا على المنع من الحلف بغيره .

وقد يقول البعض إن النهي عن الحلف بغير الله تعالى يحمل على الكراهية . وهذا لا يصح كيف يحمل على الكراهية والرسول صلى الله عليه وسلم اطلق عليه انه كفر وشرك ولهذا ابن مسعود رضي الله عنه اختار أن يحلف بالله كاذبا ولا يحلف بغيره صادقا .

فهذا يدل على ان الحلف بغير الله تعالى اكبر من الكذب مع ان الكذب من المحرمات .

وقد يقال : ان بالله تعالى اقسم بالمخلوقات في القران الكريم ، فلماذا لا يجوز للمخلوق ان يحلف بغير الله تعالى ؟ . قال العلماء هذا يختص بالله تعالى فهو يقسم بمن شاء من خلقه لما في ذلك من الدلالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته وعلمه وحكمته . وأما المخلوق فلا يقسم الا بالخالق تعالى ، ويجب على العبد التسليم والإنقياد لما جاء من عند الله تعالى ، وقد يقال : ان النبي صلى الله عليه وسلم قد حلف بغير الله تعالى عندما سأله الأعرابي عن أمور الإسلام فأخبره عنها قال : ( أفلح وأبيه إن صدق ) ورواه البخاري .
وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة : -
أولها / قال ابن عبد البر : ان هذه اللفظة منكرة ( وأبيه ) تردها الروايات الصحيحة التي جاءت بلفظ ( أفلح والله إن صدق ) .
الثاني / أن هذا اللفظ ( وآبيه ) كان يجري على ألسنتهم من غير قصد للقسم به والنهي إنما ورد في حق من قصد حقيقة الحلف .
وهذا مردود ؛ لأن الأحاديث التي نهت على الحلف بغير الله تعالى جاءت عامة ، ولم تفرق بين قصد وغير قصد ، كذلك حلف سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرة باللات والعزى ويبعد انه قصد وأراد حقيقة الحلف بها ، ولكنه جرى على لسانه من غير قصد ومع هذا فقد نهاه الرسول صلى الله عليه وسلم .
الثالث / ان الحلف بغير الله تعالى كان في أول الأمر أي في بداية الإسلام ثم نسخ ، فما جاء من الأحاديث فيها ذكر شئ من الحلف بغير الله تعالى فهو قبل النسخ والنهي ثم نسخ ذلك ونهي عن الحلف بغير الله تعالى .
وهذا هو الذي تطمئن اليه النفس وعليه أكثر العلماء وهو الحق فقد كان الحلف بغير الله تعالى شائعا مستعملا حتى ورد النهي عن ذلك كما في حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب يسير في ركب يحلف بأبيه فقال ( الا إن الله ينهاكم ان تحلفوا بابائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت )
وكانت قريش تحلف بابائها فقال : ( ولا تحلفوا بابائكم ) رواه مسلم .
وقال سعد بن ابي وقاص : حلفت مرة باللات والعزى . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( قل لا اله الا الله وحده لا شريك له ، ثم انفث عن يسارك ثلاثا وتعوذ بالله ولا تعد ) رواه البخاري .

أيها الإخوة والأخوات ان الحلف بغير الله تعالى مسالة خطرة ينبغي الحذر منها وتجنبها فقد ابتلي بها الكثير من الناس وكيف لا تكون خطرة والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ) ، والله تعالى يقول ( وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون ) يوسف 106 .
وقد ذهب جماعة من العلماء إلى ان الحلف بغير الله شرك وقد أمر الرسول صلى الله عيه وسلم من حلف بغير الله بتجديد إسلامه بان يقول : لا اله الا الله .

وقال جمهور العلماء انه من الشرك الخفي كما نص على ذلك ابن عباس رضي الله عنه .

أيها الإخوة الأخوات ان الحلف بغير الله تعالى جرى على السنة الكثير من الناس جريان شهيقهم وزفيرهم ، وتدرج تعظيمه في قلوبهم حتى أصبح بعضهم لا يصدقك لو حلفت له بالله تعالى ولا يثق بيمينك كما لو حلفت له برحمة الوالدين في التراب او عرضهما أو شرفهما او الطلاق الذي يكثر منه التجار الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم يوم دعاهم ( يا معشر التجار انتم الفجار إلا من اتقى الله ) .

فمن يصدق ان التاجر الذي ينفق سعلته بالحلف بغير الله تعالى انه يتقي الله ؟

ومن الناس من يجرؤ ان يحلف بالله تعالى صادقا او كاذبا ولا يجرؤ ان يحلف بغير الله الا صادقا كما لو طلبت من احدهم ان يحلف بتربة أبيه او شيخه في قبره أو حياته لما أقدم على ذلك الا صادقا . فمثل هؤلاء ، الا يكون المحلوف به عندهم أخوف واجل وأعظم من الله تعالى ؟. أليس هذا من الشرك الأكبر ؟ بلى .
حدث إن بعض المسلمين زار أخاه ولما استأذنه بالخروج حلف له ان يجلس قائلا باللهجة العامية ( منشان الله فلم يستجب له ، كرر عليه منشان الرسول فلم يستجب له ، قال له : منشان الشيخ ياسين ، فجلس قائلا له : حلفتني بالشيخ ياسين وجلس )

وهذا أيها الإخوة والأخوات ما يسمى بجَهد اليمين الذي لا يشرع الا بالله قال تعالى ( واقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) ، فمن حلف بشيخه او برحمة أبيه او قبلته او بوجهه وشاربه وأولاده ، فليتدارك ذلك وليدرك نفسه قبل ان تحرقه النار ، ولا كفارة له الا بإعلان التوحيد والاستغفار , والتوبة .
فراقبوا ألسنتكم أيها الإخوة والأخوات واعلموا ان التسجيل والحساب على ما تلفظون من قول .